القائمة الرئيسية

الصفحات

آخر الأخبار [LastPost]

إصلاح ذات البين فى مجتمعنا المعاصر


ما أشبه اليوم بالبارحة بُعث النبيُّ صلى الله عليه وسلّم - بُعِثَ بالحقّ ، وأُنزل الله عزَّ وجلَّ عليه القرآن وهو كلمة الحقّ ، وشرَّع له دين الحقّ، فقام أهل الباطل جميعاً في كل الأنحاء وتحزبوا واجتمعوا ليُطفئوا نور هذا الحقّ، وليقضوا على هذا النبيِّ الذي أرسله الله عزَّ وجلَّ للنجاة والسعادة لجميع الخلق لكن النبيَّ صلى الله عليه وسلّم لأنه ربَّى أصحابه على الإيمان ، وقوَّم أخلاقهم على أخلاق القرآن ، وجعلهم أخوةً متآلفين متكاتفين في أى زمان ومكان ، فاستطاعوا أن يتغلَّبوا على جميع المتآمرين ، وأن يقضُوا على جميع المعارضين ، حتى انتشر الإسلام في العالم كلِّه في طرفة عينٍ وأقلّ

ونظر النبيُّ صلى الله عليه وسلّم إلي الزمن الذي نحن فيه الآن ، فأخبرنا ببصيرته الإلهية أن الكرَّةَ ستعود هذه المرَّة ، وأن الكافرين والمناوئين والمشركين والمعارضين لله ورسوله سيتجمعون ، ويتحزبون ، ويبذلون كل ما معهم من أموال ، وكل ما يمتلكون من صناعات ، وكل ما اخترعوه من أسلحة ومعدات ، للقضاء على هذا الدين {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ الله بِأَفْوَاهِهِمْ وَالله مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} (8الصف) 



فحدّثنا النبي صلى الله عليه وسلّم عما يحدث لنا الآن، وعما يحدث بيننا أيضاً الآن أما ما يحدث لنا فقد قال صلى الله عليه وسلّم فيه {يوشك أن تداعى عليكم الأمم - يجمعون بعضهم ويلمون مع بعضهم على مائدة الإسلام وأهله - يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة على قصعتها. قالوا: أومن قلّة نحن يومئذٍ يا رسول الله؟ قال: لا، أنتم يومئذٍ كثير ، ولكنكم غُثاءٌ كثُاءِ السيل - كالرغاوى التي تظهر على وجه الماء ، لا تنفع ولا ترفع قالوا: ومِمَّ ذاك يا رسول الله؟ قال: قُذف في قلوبكم الوهن. قالوا: وما الوهن؟ قال: حبُّ الدنيا وكراهيةُ الموت} (رواه أبو داود عن ثوبان مولى النبي صلى الله عليه وسلّم)

حب الدنيا رأس كل خطيئة وكراهية الموت أساس كل معصية لأن من يصنع المعاصي لا يتذكّر أنه سيموت، ولا يظنُّ أنه سيُحاسب بين يدي ربِّ العباد بعد الموت، فيفعل ما تطلبه نفسه وهذا ما نراه الآن ما الذي يجب أن نفعله ليُزيل الله عزَّ وجلَّ عنا هذه الغُمة وينصر الإسلام وأهله؟ أن نفعل ما كان يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلّم وصحبه: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ الله كَثِيرًا} (21الأحزاب)
أعدَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلّم أصحابه على التربية الإيمانية فطهَّر القلوب من العيوب فإذا طهرت القلوب من العيوب حُفظت الجوارح والأعضاء من الوقوع في الذنوب، وقامت مَشُوقَةً لطاعة حضرة علاّم الغيوب عزَّ وجلّ علّمهم أن يُحسنوا لإخوانهم فلا يتفوَّه واحدٌ منهم بكلمة تُسيء لأخيه، بل يوطد العزم بأن كل كلمة يقولها تكون في ميزان حسناته {الكلمة الطيبة صدقة} (رواه أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه) 
فلا ينطق إلا بخير، ويُمسك عما يؤذي نفسه ويضير الغير {وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ} (24الحج)
وإذا نظر بعينيه لأخيه ينظر بعطفٍ وحُبٍ وشفقةٍ وحنانٍ، ولا ينظر بغيظٍ أو حسدٍ، أو كُرهٍ أو بُغضٍ، لأن هذه الأوصاف ليست من أوصاف عباد الرحمن، عباد الرحمن يقول الله عزَّ وجلَّ عنهم في القرآن {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} (47الحجر)
فتكون نظرة الأخ لأخيه خيرٌ من اعتكاف سنة في الأجر والثواب في مسجد الحَبيب المصطفى، وليس ذاك من عندي ولكنه قوله صلى الله عليه وسلّم، قال صلى الله عليه وسلّم {نَظْرَةٌ في وجه أخٍ في الله على شوقٍ خيرٌ من اعتكاف سنة في مسجدي هذا} (رواه السيوطي في الفتح الكبير عن ابن عمر)
وإذا قابل أخاه بوجه هاشّ والكلمة الطيبة مدَّ يده فصافحه، وإذا صافحه يقول في ذاك النبي الأمين {إذا التقى المؤمنان فتصافحا، تحاتت ذنوبهما - يعني نزلت - تحاتت ذنوبهما كما يتحاتّ ورق الشجر} (رواه ابن ماجة وأحمد في مسنده، وأبو داود والترمذي عن البراء بن عازب)
ويقول صلى الله عليه وسلّم {مَثَلُ المُؤمِنَينِ إذَا التَقَيَا فَتَصَافَحَا كمَثَلِ اليَدَينِ تَغْسِلُ إِحْدَاهُمَا الأخرى} (رواه بن شاهين في الترغيب والترهيب عن أنس رضي الله عنه بلفظ: "إنَّما مَثَلُ المُؤمِنَينِ إذَا التَقَيَا مِثْلُ اليَدَينِ تَغْسِلُ إِحْدَاهُمَا الأخرى")
فعندما يقابل أخاه يمحو الله ذنوبه ويمحو ذنوب أخيه إكراماً لما صنعاه في اتباع الحَبيب المُصطفى صلى الله عليه وسلّم يبدأه دوماً بالسلام، ولا يخاصمه إلا في الامتناع عن الكلام - إذا حدث بينهم أمرٌ هام -ولا يزيد الخصام عن ثلاثة أيام، وبشَّر النبيُّ أفضلهما وخيرهما فقال {وخيركم الذي يبدأ بالسلام}، {لا يحلّ لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث} (أخرج الإمام مالك والبخاري ومسلم عن أبي أيوب رضي الله عنه بلفظ: "لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام") 
والهجر يعني: لا يقابله ولا يحادثه، لكنه لو زاد وشنّع عليه، أو زاد وكَادَ له، أو زاد وشكاه - فهذا من الفجور في الخصومة ولا يفعل ذلك إلا المنافقين والعياذ بالله عز وجلّ - ومن زاد عن الثلاث يقول فيه سيد الناس صلى الله عليه وسلّم {مَنْ هَجَرَ أخَاهُ سَنَةً كَانَ كَسَفْكِ دَمِهِ} (رواه الحاكم في المستدرك عن أبي خراش السلمي رضي الله عنه)
إذا هجره فكأنه قتله، إذا وصل الهجر إلي سنة فكأنك قتلته في الذنب عند الله عزَّ وجلَّ تُحاسب على ذلك يوم تلقى الله، في يومٍ يجمع الناس فيه ليُحاسبهم على كل ما قدمت أيديهم
وأوجب على المسلمين المحيطين عبادة جعلها أرقى وأعلى، وأكثر وأعظم في الأجر والثواب، من قيام الليل ومن صيام النهار، ومن تلاوة القرآن، ومن كل النوافل التي يتوجه بها المرء إلي مولاه. اسمعوها معي من سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم حيث يقول {ألا أدلكم على ما هو خيرٌ لكم من الصلاة، والصيام، والصدقة، والحج؟ ويقصد النوافل وليست الفرائض - قالوا: بلى يا رسول الله، قال: إِصْلاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ(رواه الإمام أحمد والترمذي عن أبي الدرداء رضي الله عنه)
أن تسعى لتُصلح بين متخاصِمَيْنِ أو لتجمع بين متفرقَيْن، أو تُزيل الجفاء بين متحابَيْن، أو تقضي على الخلاف بين عائلتين أو فريقين لأن كل المؤمنين مطالبين بقول ربِّ العالمين {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} (9الحجرات) 
وهذا الأمر لكل المسلمين إياك أن يقول واحدٌ من الحاضرين: وماذا أصنع وما شأني لأصلح بين إثنين أكبر مني شأناً ودنيا؟ قال الله في ذلك {إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ الله بَيْنَهُمَا} (35النساء)
المهم أن تريد الإصلاح، لو أردت الإصلاح فإن الله عزَّ وجلَّ - وبيده القلوب - سيليّن لك القلوب، ويجعلها تستجيب للمطلوب، ويُحقق على يديك ما لم يُحققه على يد الكبار والوجهاء من القوم، لأن هذه حكمة الله في كتاب الله عزَّ وجلَّ، المهم النية الصادقة في الإصلاح بين المؤمنين، فجعل النبي صلى الله عليه وسلّم المسلمِين متآخِين متوادِّين، وقال في شأنهم عندما أتم بنيانهم، وأكمل تربيتهم {ترى المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم، كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى عضوٌ منه تداعى له سائر الجسد بالسهر والحُمّى} (البخاري عن النعمان بن بشير رضي الله عنه)

reaction:

تعليقات