القائمة الرئيسية

الصفحات

آخر الأخبار [LastPost]

مشروعية الإحتفال بليلة النصف من شعبان

هذه الليلة اختلف الناس في زماننا فقط في الاحتفال بها ، وإن كان في الأزمنة الماضية الفاضلة لم يختلفوا أبداً في إحيائها ، وظن البعض الذين منعوا إحيائها ، و بعضهم كرّهوه ، وبعضهم تجرأ على الله وحرّم الاحتفال بها أن ذلك لأن الاحتفال ليس بسنة

ماهى السنة؟ 

السنة هي بيان رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله أو بفعله أو بإقراره ، هذه هي السنة: إما أن يقول وإما أن يفعل وإما أن يقرّ من يفعل ، كل ذلك هو السنة


وهذه الليلة قد أمر الحبيب صلى الله عليه وسلم بقوله بإحيائها وقام بنفسه فيما ثبت من الروايات الصحيحة بإحيائها ، فأما بقوله صلى الله عليه وسلم فقد قال صلى الله عليه وسلم {إذا كانت ليلة النصف من شعبان نزل الله عز وجل لغروب شمسها إلى السماء الدنيا فيغفر لأهل الأرض جميعاً إلا لمشرك أو مشاحن أو قاطع رحم أو مصرّ على معصية أو شارب خمر أو زان , فإذا كانت هذه الليلة فَقُومُوا لَيْلَهَا وَصُومُوا نَهَارَهَا}{1}


هذه هي السنة القولية ، وفى رواية أخرى {إِذَا كَانَتْ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ ، فَقُومُوا لَيْلَهَا ، وَصُومُوا نَهَارَهَا ، فَإِنَّ اللهَ يَنْزِلُ فِيهَا لِغُرُوبِ الشَّمْسِ إِلَى سَمَاء الدُّنْيَا ، فَيَقُولُ : أَلاَ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ لِي ، فَأَغْفِرَ لَهُ ، أَلاَ مُسْتَرْزِقٌ ، فَأَرْزُقَهُ ، أَلاَ مُبْتَلًى فَأُعَافِيَهُ ، حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ}[2]


فغير الموفقين قالوا هذا الحديث حديث ضعيف ولا يجب أن نأخذ إلا بالحديث القوي .. كيف ذلك ، دَأب العلماء الأجلاء جميعاً منذ عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عصرنا هذا و من القواعد الأصولية في علم الأصول ، أصول الفقه الذي هو مادة التشريع الإسلامي : يؤخذ بالحديث الصحيح المتفق على صحته في الأحكام الفقهية التشريعية التي تهم المسلمين في كل أمور حياتهم في الزواج وفي الطلاق وفي الميراث وفي البيع وفي الشراء ، ولا نأخذ إلا بالأحاديث المجمع على صحتها ، لكن بالنسبة للاجتهاد في طاعة الله فمبدأهم في علم الحديث (يؤخذ بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال) لماذا؟ لأنك لن تسيئ إلى أحد إذا عملت هذا العمل , و لن تضر أحداً باستزادتك من هذا الفعل وإنما هذا فعل خاص لك وفي نفسك ولا يضر أن تعمله في أي وقت ، وخذوا أمثلة على ذلك


الاجتماع للدعاء هل هناك مانع شرعي من جمع المسلمين للدعاء في أي وقت وفي أي مكان؟ في أي زمان تنتاب المسلمين شدة يجب عليهم أن يجتمعوا للدعاء ولقوله صلى الله عليه وسلم {يَدُ الله مَعَ الجَمَاعَةِ}[3]


وفي أي زمان لأن الدعاء ليس له وقت كراهة ، بعد صلاة الصبح ، بعد العصر ، في أي وقت يدعون الله ، وعلى وضوء أو علي غير وضوء لأن الدعاء لا يشترط له الطهارة الحسية بالوضوء وإنما أساس قبوله الطهارة القلبية لتطهير السر والقلب لله إذاً ما الذي يمنع من الدعاء في هذه الليلة؟


قراءة سور من القرآن في أي ليلة ما الذي يمنعها؟ وإذا كان بعضهم يمنع قراءة القرآن للآخرين لا أقول للأموات ، كما يقولون ولكن أقول للأحياء والأموات ، فإني يجوز لي أن أقرأ القرآن لرجل حيٍّ وأهبه له ، ونفترض أن هذا القرآن ثوابه لم يصل إليه فهل لا يصل ثوابه إليّ وأنا الذي أتلوه؟


يحرِّمون قراءة الفاتحة وتكرارها ، أم الكتاب لو لم تكن تستجاب فأي شئ يستجاب؟ فقد قيل للإمام أبي الحسن الشاذلي رضي الله عنه أيقبل الله منا قراءة الفاتحة؟ فقال رضي الله عنه (كيف لا يقبلها وهي كلامه منه خرج وإليه يعود) إن لم يقبل كلامه فأي كلام يقبل؟


فالذين يقولون أن هؤلاء يقرأون الفاتحه خمسين مرة وما في هذا لو كررت الفاتحة خمسين مرة بمفردك أليست تلاوة لكتاب الله؟ ألم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذ الليلة كلها من بدأها إلى ختامها في ترديد آية واحدة من كتاب الله؟ وكل مرة لك الثواب كل حرف بعشر حسنات ، لا أقول ألم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف, فأنت طالما تتلوها فأنت تتعبد لله بخير عبادة يقبل عليها الله ، قال فيها صلى الله عليه وسلم {أَفْضَلُ عِبَادَةِ أُمَّتِي تِلاَوَةُ الْقُرْآنِ}[4]


الاجتماع على ذكر الله يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم {لا يَقْعُدُ قَومٌ يَذكُرُونَ اللَّهَ تعالـى- ولم يحدد زماناً ولا مكاناً - إلا حفَّتْهُمُ الـمَلائِكَةُ ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ ، ونَزلَتْ عَلـيهِمُ السَّكِينَةُ ، وذكَرَهمُ اللَّهُ تَعالـى فِـيـمَن عِنْدَهُ}[5]


من يتألى على الله فيزعم أن هذا الحديث لا ينطبق على مجلسنا أو المجالس المباركة في هذه الليلة ... الحديث واضح وصريح ، أما عن احتفائه صلى الله عليه وسلم بنفسه بهذه الليلة ففيه عدة أمور :


الأمر الأول هو استجابة الله تعالى له صلى الله عليه وسلم فيها ، فقد ورد فيه أن الله استجاب له فيها مرتين المرة الأولى مرة بمكة قبل الهجرة ، والمرة الثانية بالمدينة


أما في مكة فعندما طلب منه أهل مكة آية ، وقالوا يا محمد سل ربك أن ينزل لنا آية نراها ونؤمن بك أجمعين ، فسأل الله تعالى فنزل في هذه الليلة الأمين جبريل وقال : يا محمد قل لهم إن يجتمعوا في هذه الليلة يروا آية ، فاجتمعوا حول الكعبة ، ولم يكن حول البيت بناءاً إلا الكعبة فكانوا يصلون ورءوسهم إلى السماء وموضع الصفا والمروة لم يكن إلا أحجار الجبلين ، وكانت خارج البيت ، فالبيت كان الجزء من الكعبة إلى زمزم ومكشوف فاجتمعوا والقمر في هذه الليلة بدر كامل


فأشار صلى الله عليه وسلم إلى القمر بإصبعه فانشق نصفين ، نصف على الصفا ، ونصف على المروة فأخذوا يغمضون عيونهم ويفتحونها فيجدونه وقد ظل على حالته ، فذهبوا إلى بيوتهم وجلسوا ردحاً من الزمن ثم رجعوا فوجدوه على هيئته ، ومع ذلك ما زادهم إلا تكذيباً وكانوا كما قال الله فيهم {وَإِن يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ} القمر2


وقالوا شيبتنا يا محمد بسحرك ، فقال بعض عقلائهم ننتظر حتى يأتي مَنْ هم مسافرون ، فجاءوا بعد حين فسألوهم فقالوا نعم رأينا في هذه الليلة أن القمر قد انشق نصفين ، ومع ذلك كذبوا ولم يؤمنوا لأنهم لم تسبق لهم من الله الهداية والعناية فتلك هى المرة الأولى


أما المرة الثانية فكانت في المدينة عندما كان يتطلع إلى الله ، ويرجو من الله أن يولِّه قبلة أبيه إبراهيم عليه السلام ، وفي هذا اليوم وعند صلاة الظهر وكان قد دعاه إلى وليمة غذاء قوم يسمون بني سالم بن عوف فقال آتيكم بعد صلاة الظهر ، قالوا لا ، تأتي عندنا وتصلي في منازلنا حتى تحلّ علينا البركة وافترشوا في منازلهم في ساحة أمام المنازل فراشاً وأذن لصلاة الظهر وصلى بهم صلى الله عليه وسلم ركعتين تجاه بيت المقدس وعندما كان في التشهد الأوسط نزل عليه الوحي بقول الله {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}وحتى لا نظن أنه خطاب خاص به، عمّنا ببقية الخطاب فقال {وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ}البقرة144


فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم عندما قام إلى الركعة الثالثة تجاه الكعبة وصلى مَنْ خلفه بصلاته ، فصلوا هذه الصلاة الفريدة ركعتين تجاه بيت المقدس والأخيرتين تجاه بيت الله الحرام ، وروى فى الحديث {بَيْنَمَا النَّاسُ فِي صَلاَةِ الصُّبْحِ بِقُبَاءٍ إِذْ جَاءَهُم آتٍ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللّهِ قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ اللَّيْلَةَ وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةَ فَاسْتَقْبَلُوهَا ، وَكَانَتْ وُجُوهُهُمْ إِلَى الشَّامِ ، فَاسْتَدَارُوا إِلَى الْكَعْبَةِ}[6]


فهم لم يكملوا الصلاة ولم ينتظروا حتى يستوثقوا منه بل اتجهوا بمجرد سماعهم إلى بيت الله الحرام ، فانظر إلى تعظيم المسلمين لأمر إخوانهم بمجرد أن قال لهم هذا القول وهم في الصلاة لم يجادلوه ولم ينتظروا حتى ينتهوا ، بل فوراً اتجهوا وهم في الصلاة إلى بيت الله الحرام تصديقاً لأخيهم المؤمن الذي بلَّغهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم


والأمر الثانى هو تعبده صلى الله عليه وسلم في هذه الليلة المباركة واجتهاده فى الصلاة و الدعاء ، وفى ذلك ورد فيما رواه الإمام ابن خزيمة في صحيحه أن السيدة عائشة رضى الله عنها وأرضاها وكانت ليلتها ، إذ جاء النبي صلى الله عليه وسلم إليها ونام بجوارها والتحفا معاً بلحاف واحد ، ثم قال يا عائشة أتأذنين لي أن أتعبد لربي في تلك الليلة؟ فقالت يا رسول الله إني أحبك ولا أحب فراقك ولكن أؤثر هواك على هواي فاعبد ربك كما تريد


فخرج صلى الله عليه وسلم واستبطأته فخرجت تبحث عنه فوجدته في البقيع ساجداً يقول في سجوده {أَعُوذُ بِعَفْوِكَ مِنْ عِقَابِكَ ، وَأَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخْطِكَ ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ إلَيْكَ ، لاَ أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ فَلَمَّا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ السُّجُودِ ، وَفَرَغَ مِنْ صَلاَتِهِ قَالَ: يَا عَائِشَةُ ، أَوْ يَا حُمَيْرَاءُ أَظَنَنْتِ أَنَّ النَّبِيَّ قَدْ خَاسَ بِكِ؟ قُلْتُ: لاَ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّه ِ، وَلَكِنِّي ظَنَنْتُ أَنَّكَ قُبِضْتَ لِطُولِ سُجُودِكَ ، فَقَالَ: أَتَدْرِينَ أَيُّ لَيْلَةٍ هذِهِ؟ قُلْتُ : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قَالَ: هذِهِ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ ، إنَّ اللَّهَ عز وجل يَطَّلِـعُ عَلَى عِبَادِهِ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِلْمُسْتَغْفِرِينَ، وَيَرْحَمُ الْمُسْتَرْحِمِينَ، وَيُؤَخِّرُ أَهْلَ الْحِقْدِ كَمَا هُمْ}[6]


وفى رواية أخرى لعائشة رضي الله عنها فى هذه الليلة {فَمَا زَالَ قَائِماً وَقَاعِداً حَتّىٰ أَصْبَحْتُ ، فَأَصْبَحَ وَقَدِ ٱضْطُّهِدَتْ قَدَمَاهُ وَإنِّي لأَعْمُرُهَا وَأَقُولُ : بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي ، أَلَيْسَ غَفَرَ اللَّهُ تَعَالىٰ لَكَ مَا تَقَدَّم مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ؟ فَقَالَ: يَا عَائِشَة أَفَلاَ أَكُونُ عَبْدَاً شَكُوراً}[7]


إذن هذه الليلة أخبر عنها المُصطفى صلى الله عليه وسلم وأمرنا بقوله أن نحييها ونصومها ونجتهد فيها فى الدعاء {إِذَا كَانَتْ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ ، فَقُومُوا لَيْلَهَا ، وَصُومُوا نَهَارَهَا}[8]


وأحياها صلى الله عليه وسلم بفعله مجتهداً بشدة فى الدعاء والقيام كما أوردنا خبر السيدة التقية النقية السيدة عائشة رضى الله تعالى عنها وعن أبيها الصديق ، كما استجاب الله له فيها في مكة وفي المدينة ، فخبرها محقق وما جيئ فيها يقين لا يتذبذب عنده لأى مؤمن قوي الثقة بربه ، كل ما هنالك أن هذا الاجتماع الذي نحن فيه الآن لم يحدث في زمانه ولم يجتمع صلى الله عليه وسلم مع إخوانه في هذه الليلة في هذا الاجتماع ، لكن الاجتماع مشروع ما دام لطاعة الله، وعبادة الله في أي ظرف وفي أي مكان



{1} رواه الإمام أبو داود عن علي بن أبى طالب{2} سنن ابن ماجة عن علي بن أبى طالب{3} عن عمر بن الخطاب رواه الطبراني في الأوسط{4} أبوالنعيم في فضائل القرآن من حديث النعمان بن بشير وأنس {5} عن ابن عباس في كتاب سند الدارمي{6} عَنِ ابْنِ عُمَرَ صحيح مسلم{7} عن علي بن أبي طالب رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة{8} ابن شاهين فِي التَّرغيب، جامع المسانيد والمراسيل{9} سنن ابن ماجة عن علي بن أبى طالب




http://www.fawzyabuzeid.com/table_books.php?name=%C7%E1%CE%D8%C8%20%C7%E1%C5%E1%E5%C7%E3%ED%C9_%CC4_%D4%DA%C8%C7%E4%20%E6%E1%ED%E1%C9%20%C7%E1%E4%D5%DD&id=20&cat=3






reaction:

تعليقات