القائمة الرئيسية

الصفحات

آخر الأخبار [LastPost]

أين الدين يا جماعة المؤمنين ؟

الحمد لله رب العالمين، شرح صدورنا للإيمان،
وأهّل قلوبنا لتنزلات القرآن، وأكرمنا بفضله ونعمته
 فجعلنا نتأسّى فى أحوالنا بالنبى العدنان.
وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له،

أنزل هذا الدين نجاة لنا وللبشرية، من الظلمات الكفريَّة، ومن الموجات الإلحاديَّة، ومن ظلمة الحكام للبريَّة، فكان دين الإسلام نجاة للدنيا كلِّها بل ولبنى الإنسان. وأشهد أن سيدنا محمداً عَبْدُ الله ورسولُه، النبىُّ الذى خلَّقه الله بأخلاقه، وجعل أمره كلَّه على المودّة والرحمة، واللِّين والمحبَّة، فأظهر حقيقة الدين، وبيَّن لنا مراد رب العالمين منا أجمعين، فصَلُحَ به الخلق،
 ووصل بذلك إلى رضاء رب العالمين.
اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد،
الذى كانت أشعة أخلاقه القرآنية تنفذ إلى القلوب،
 فتطهرها من جميع العيوب، وتجعلها تؤمن بصدقٍ بحضرة علاَّم الغيوب.
صلِّ الله عليه، وعلى آله وصحبه، وكلِّ مَنْ تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين،
 وعلينا معهم أجمعين، آمين .. آمين .. يا رب العالمين. 

أما بعد .. فيا أيها الأخوة المؤمنون:
نحن جميعاً الآن - حُماة الإسلام - فى مفترق طرق، والعالم كلُّه ينظر إلينا الآن، ينظر إلينا على أننا مسلمين - ولا يعرف من حقيقة هذا الدِّين،
إلا ما يراه من أوصاف المسلمين، وسلوكيات المسلمين، وتعاملات المسلمين،
وأحوال المسلمين مع بعضهم فى مجتمعاتهم.

فأنتم العارضون لجمال ومكارم هذا الدِّين.
ما الذى ينبغى علينا جميعاً الآن نحو دِيننا؟
ونحو إلهنا؟ ونحو قرآننا؟ ونحو نبيِّنا؟ ونحو إخواننا؟
ونحو أنفسنا؟ ونحو الخلق أجمعين؟

العالمُ لم يرَ فى هذه الآونة الماضية إلا مظهراً شكلياً لهذا الدِّين، تحلىّ به بعض المنتسبين للإسلام فى المظهر، وفى الجلباب، وفى السواك وفى النقاب،
فى الشكليات وهى مظهرٌ جميلٌ لظاهر هذا الدِّين، لكن ليست هى كلُّ الدين. جوهر الدين هو الذى يجذب غير المسلمين إلى جمال وكمال هذا الدين.
يريدون أن يروا أخلاق القرآن ظاهرة وماثلة،
وموجودة ومشهودة، فى الشوارع وفى المنازل،

وفى الطرقات وفى المجتمعات، وقد تجمل به المسلمون.
 يريدون
  أن يروا صدق الكلمة، والوفاء بالعهد والمودة،

 والتراحم والتعاطف 
 
والشفقة، والحنان والحب. 
وهذه الصفات ذكرها القرآن، وجاء بها النبى العدنان،
 وكان على هَدْيِها ومُتخلقاً بها فى كل وقت وآن،
ولذلك يقول له ربُّه عزَّ وجلّ: ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ الله لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ﴾ (159-آل عمران). بماذا أرسله؟ بالرحمة لجميع خلق الله، وفسّر هذا فقال: { إِنَّمَا أَنَا رَحْمَةٌ مُهْدَاةٌ }

جمال هذا الدِّين سطع على سيِّد الأولين والآخرين، ومنه انتقل إلى أصحابه والتابعين، والسلف الصالح أجمعين، فدخل الناس فى دين الله أفواجاً
بدون خطب ولا شرائط، ولا فضائيات ولا كلمات، 
ولا كتب ولا مراجع، وإنما نَظَرَ الخَلْقُ إلى هديهم،
وإلى سَمْتِهم، وإلى أخلاقهم وإلى سلوكياتهم،
فأعجبوا بهذا الدِّين الذى أسس هؤلاء الأفراد،
فدخل أهل أندونيسيا، وأهل جُزر الملايو،
وأهل أفريقيا وغيرهم، فى دين الله أفواجاً

لما رأوه من العارضين لهذا الدِّين.فهذا هو المظهر الإلهىّ
 الذى أمر الله أن يكون عليه أتباع هذا الدِّين.
 لكن إذا نظر أهل الغرب الآن إلى المسلمين فيما بينهم وبين بعضهم، من غشٍّ، وتطفيف فى المكيال والميزان، وكذب لا ينفكّ 

واحدٌ عنه فى كل وقتٍ وآن، وخيانة للعهد، وشقاق ونفاق، وكُره وبُغض وأحقاد وأحساد، واستيلاء القوى على الضعيف، وقطع للطرقات، وقضاء على الاقتصاد الذى أوشك على الممات، ولا يرحمون أنفسهم ولا ينظرون إلى المهمَّة التى كلَّفهم بها ربُّهم،وأمرهم أن يكونوا عليها نبيُّهم.

ماذا يقولون عن الإسلام الآن عندما يرون جماعة المسلمين وقد تركنا كل ما كان عليه النبىُّ وصحابته الكرام، وتدثّرنا ولبسنا أخلاق الشياطين اللئام؟ قلّ ونَدُرَ أن تنظر إلى طائفة من المسلمين إلا وتجدهم يعيبون على بعضهم!! ويُشكّكون فى نوايا وسلوكيات إخوانهم!! ويتعدُون بالألفاظ البذيئة على أئمتهم وكُبرائهم!! 

هل هذا من أخلاق هذا الدِّين؟ إننا بذلك نُسيء إلى أنفسنا، ونُسئ إلى دِيننا، ونُسئ إلى نبيِّنا، ونُسئ إلى كتابنا، لأننا أخذنا من الدين القشور وتركنا
الجوهر المُمتلئ بالنور، الذى هو كالشمس 

التى تجذب الخلق إلى هذا الدِّين، وهو الدِّينُ الحقّ.
المسلم فى هذا الزمان مهمته ثقيلة، لأن البعض يقول: مثلى مثل بقية المسلمين - أنا زيّى زيّ بقية الناس - والنَّبِىُّ صلى الله عليه وسلمّ حذّر من هذا
 وقال: {لاَ تَكُونُوا إمَّعَةً، تَقُولُونَ: إنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَحْسَنَّا، وَإنْ ظَلَمُوا ظَلَمْنَا، وَلَكِنْ وَطِّنُوا أَنْفُسَكُمْ، إنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَنْ تُحْسِنُوا، وَإنْ أَسَاؤُوا أَنْ لاَ تَظْلِمُوا}.
لا تقُل: أنا مع الناس، ولكن قُل : أنا مع ربِّ الناس، وأنا مع خير كتاب أنزله ربُّ الناس. قُل: أنا على عهد خير نبىٍّ اختاره الله عزَّ وجلَّ للناس، قُل:
 أنا على هَدْىِ الصحابة الذين أحسنوا متابعته فأثنى الله عليهم وذكرهم فى كتاب الله، وقال فى شأنهم مُجلِّياً ومبيِّناً أوصافهم: ﴿ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله وَالَّذِينَ مَعَهُ ﴾، أشدَّاء غلاظٌ قُساة، على من؟ ﴿ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ ﴾ -
وفيما بينهم وبين إخوانهم: الرحمة والمودّة والألفة، والتوادد والتحابب،والتآخى والتزاور فى الله، والبذل فى الله، والعمل على مرضاة الله جلَّ فى عُلاه، والسعى فى قضاء حوائج إخوانهم طلباً لمرضاة الله: ﴿ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ﴾
 (29-الفتح).أبدلنا آيات الله وأصبحت الشدّة من بعضنا على بعض، لا يرحم التاجر المُشترى فيزيد أجره ومكسبه أضعافاً مُضاعفة، ولا يرحم الصانع من طلبه فيجعل الأجر أضعافاً مضاعفة، وَلَيْتَهُ يُتقن صنعته ويعمل بقول الحبيب:
 { إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلاً أَنْ يتْقِنَهُ }.

لا يرحم الطبيب المريض، فلو قيل له: إن رجلاً بالعيادة على وشك الموت لا يأذن له بالدخول حتى يدفع الروشتة للطبيب، مع أنه أخٌ فى الإيمان وأخٌ فى الإسلام!!
 
لا يرحم المدّرس تلميذه ويرفض أن ينطق ببنت شفة فى عمله الذى يأخذ أجره عليه، ويقول: من أراد أن ينجح فى مادتى فليذهب إلى عيادتى!! يريد ان يُحوّلهم إلى المنازل ليتكسّب منهم الآثام والذنوب العظام!! 

لا يرحم المحامى من لجأ إليه ليدافع عن قضيته، فإنه يحاول ابتزازه
 بقدر طاقته، وكلما أوشك الأمر على الحُكم النهائى تدّخل ليطيل الأمر ويُطيل الإبتزاز، بل وربما يأخذ من الشاكى ويأخذ من المشكو!! وهذا أمرٌ فيه غُلوّ يتنافى مع هذا الدِّين.

نستطيع أن نقيس على هذه الأمور التى سرت فى مجتمعنا، حتى أصبحنا جميعاً نتململ من حياتنا، ونشكوا مجتمعنا مع أننا لا نسكن فى تل أبيب
ولا فى واشنطن، ولكن نسكن فى مصر وفى
القاهرة - بلد الأزهر الشريف، وبلد المساجد التى
لا تُحدّ ولا تُعدّ، بلد القرآن، بلد العلماء الذين نشروا هَدْىَ الدِّين فى كل مكان.

أين الدِّين مِنَّا جماعة المؤمنين؟!!! أفى الصلاة؟!!
أو فى الركعات؟!! أو فى الصيام وتلاوة القرآن والذكر فقط؟!! هل هذا هو الدين؟!!! الدين أخلاق يا جماعة المؤمنين، الدين سلوكيات طيِّبة دعا إليها سيِّد المرسلين، اسمعوا وهو يقول - من هو المسلم؟!!! فماذا يقول؟ لم يقل: المسلم من صلَّى وصام وزكّى وحج، وإنما قال قولٌ واحد:
{ المُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ }.


أين هو المسلم الآن؟ قلَّ وَنَدَر، كثيرٌ من المسلمين يحافظون على فرائض الله، لكنهم - وهذه مشكلة العصر وآفة الزمان - فرقّوا بين طاعة الله - واعتقدوا أنها هى الدين - والأخلاق والمعاملات والسلوكيات،
 وكل واحدٍ منهم مشى على هواه ومايريد تحقيقه من مناه،
وظنّ أنه يُرضى ربَّه على العبادات التى كلَّفه بها الله،
مع أن النبىَّ صلى الله عليه وسلمّ حكم فى هذا الأمر حُكماً صريحاً
عندما قيل له: {إن فلانة تصلّي الليل وتصوم النهار
 وفي لسانها شيءٌ يؤذي جيرانها سليطة، قال:
لا خَيْرَ فيها، هِيَ في النّارِ}.

الدِّينُ ليس قاصراً على العبادات، ولكن الدِّين جعل
حقًّا لله وحقوقاً للخلق، وكلها فى دين الله. حق الله: هو الصلاة، والصيام، والحج، وحقوق عباد الله: هى الزكاة، والأخلاق الكريمة،
والمعاملات الحسنة التى على منهج كتاب الله،
 والتى كان عليها سيِّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. 


قال صلى الله عليه وسلمّ: { إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى اسْتَخْلَصَ هذَا الدينَ لِنَفْسِهِ، وَلاَ يَصْلُحُ لِدِينِكُمْ إِلاَّ السَّخَاءُ وَحُسْنُ الْخُلُقِ، فَزَينُوا دِينَكُمْ بِهِمَا }،

reaction:

تعليقات