القائمة الرئيسية

الصفحات

آخر الأخبار [LastPost]

علامات الولي المرشد والشيخ المربي



سألني أحد الإخوة:
هل من ضرورة لوجود الشيخ المربي - وخاصة بعد زيادة كتب العلم،وانتشار الفضائيات والإذاعات، وتلقي الناس للثقافات،
وكل إنسان يستطيع أن يقرأ ويعرف ما له وما عليه؟
الحقيقة إن وجود الشيخ المربي أمرٌ إلهي، من سنن الله عزَّ وجلَّ التي أجراها قبل خلق الخلق:
أمـلاك ربي لهـم شيـخ يعلمهــم *** فكيف لا تطلبون الشيخ بالهمم؟
حتى الملائكة لزمهم الشيخ، وقال له الله:
(يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَآئِهِمْ) (33-البقرة)
فكان آدم هو شيخ الملائكة
علامات الشيخ المربي
.........................
والشيخ له علامات في كتاب الله، وله وظائف يقوم فيها مقام حبيب الله ومصطفاه
وأول علامة من علاماته هي قول الله عزَّ وجلَّ:
(قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي)(108يوسف)
لا بد من وجود البصيرة، فالذي معه علم وليس معه بصيرة .. أصبح مثل الصيدلي الذي في الصيدلية ..
عنده الدواء .. ولكنه لا يكتب روشتة الشفاء،
الذي يكتب الروشتة هو الطبيب الذي معه السماعة ومعه السونار.
فالذي معه الكشف من الواحد الأحد يسلطه على القلب والنفس .. فيعرف عيوبها، ويحدد داءها،
ويستخرج لها من كتاب الله عزَّ وجلَّ ما به شفائها
فالقارئ حتى لو كان معه سبع دكتوراة، هل يعرف داءه ليأخذ العلاج المناسب له؟
لا، بل يكون كالمريض الذي يذهب للصيدلية من نفسه .. ويأخذ أدويه عشوائية ويجرب في نفسه،
يأخذ هذا الدواء فلا ينفع فيجرب غيره، وهل الإنسان لديه كثير في حياته حتى يستهلكها في التجارب؟!
العمر قصير والمطلوب عظيم .. وأنفاسك نفائسك ..
نحن لا نريد أن نخرج من هذه الحياة إلا بعد أن نصل إلى حضرة القرب من القريب جلَّ في علاه
الإمام علىٌّ رضي الله عنه وأرضاه عندما سألوه:
هل تتمنى لو أنك كنت مت صغيراً؟ قال: لا، لأني عشت حتى عرفت الله جلَّ وعلا.
والذي مات ولم يعرف الله .. ماذا أخذ من الدنيا؟ لم يأخذ شيء!! نحن .. لماذا جئنا إلى الدنيا؟
(وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ)(56-الذاريات)
سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال:
معنى (لِيَعْبُدُونِ) أي: ليعرفون ... لمعرفة الله، لأن العبادة فقط تقوم بها الملائكة
وهل يوجد أحد من البشر يستطيع أن يصل إلى عبادة واحد من الملائكة لله عزَّ وجلَّ؟ لا
إذن المقصود بالعبادة هنا معرفه الله، ولقد قالوا: (من مات ولم يعرف الله فذاك الشقيُّ)
والشرط الثاني لهذا الطبيب:أن يكون معه إذن من الحبيب المحبوب صلى الله عليه وسلم
(وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ)(46الأحزاب)
لماذا؟ لأنه يوجد في الكون كثير من المؤمنين منورين، ولكن كثير منهم مشغول بهذا النور،
ولا يستطيع أن يعالج غيره، أو يقدم له العلاج المناسب، وهذا ولي .. لكن نحن نحتاج إلى الولي المرشد:
(وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُّرْشِدًا)(17- الكهف)
فرق بين الولي .. والولي المرشد
الولي المرشد: هو الذي لديه إذن من الله عن طريق حبيب الله ومصطفاه صلى الله عليه وسلم,
وأعلمه الله سبل الوصول إلي حضرته:
(وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا)(69- العنكبوت)
ولذلك عندما يذهب إليهم الواحد منا يقول له: أنت منهجك كذا,
ويقول للأخر: أنت تفعل كذا, وأنت طريقك كذا, وأنت شفاؤك في كذا، وأنت دواؤك في كذا .... أدوية مختلفة,
ويقول في هذا المقام ابن البنا السراقسطي رضي الله عنه - وهو من أشبيلية في أسبانيا،
نسأل الله أن يردها إلى الإسلام بأهلها:
إنما القـوم مسافرون *** إلى حضرة الحق وظاعنون
فاحتاجوا فيه إلى دليل *** عالم بالســير وبالمقيـل
قد سلك الطريق ثم عاد *** ليخبر القوم بما اســتفاد

من يستطيع منا الآن أن يذهب في الصحراء حتى يصل إلى طرابلس بليبيا بدون دليل،
ولم يسبق له عمل ذلك من قبل؟! أو حتى لو أراد أن يذهب إلى السودان, هل يستطيع بدون دليل؟!
لا أحد يستطيع ذلك, فلا بد إذن من دليل،
والدليل يكون عارفاً بالمحطات, وعارفاً بالمعوقات التي تعيق السالك عن طريق الله،
ويعرف الحجب التي تحجبه عن حضرة الله, ويعلم الموانع التي سوف تمنعه من فتح الله جلَّ في علاه,
فينبهه,ويوجهه ويسدي له النصح, فإذا سار على هذا المنهاج وصل إلى ما وصل إليه ذلك المرشد بإذن الله.
أما الشرط الثالث بعد أخذ الإذن من الحبيب صلى الله عليه وسلم: أن يكون معه وراثة:
(ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا)(32- فاطر)
ليست وراثة أنساب, ولا وراثة أحساب, وإنما وراثة الكتاب .. وأين يوجد الكتاب؟
سيدنا عيسى على نبيِّنا وعليه أفضل الصلاة والسلام بعد ولادته مباشرة بعد أن ذهبت والدته به إلى قومه سألوها:
(فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا. قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ)
(29، 30- مريم)أي كتاب آتاه وهو وليد؟!! هل هو الإنجيل؟ لا .. إنه كتاب آخر!!
وهو كتاب الحقائق الإلهية الذي خصَّه الله للأنبياء والمرسلين.
والورثة الصادقون الذين اجتباهم واختارهم من أمة سيد الأولين والآخرين صلى الله عليه وسلم
لابد أن يكون معهم المواهب التي وهبها الله للعبد الصالح
الذي أمر الله كليمه سيدنا موسى ليذهب إليه ليتعلم على يديه .. هل كليم الله يحتاج إلى تعليم؟!
وعندما ذهب إليه, قال له:(يا كليم الله أنا على علم علمنيه الله لا تعلمه أنت, وأنت على علم علمكه الله لا أعلمه أنا –
وإذا بعصفور يهبط على البحر ليشرب - فقال له:
وما علمي وعلمك في علم الله إلا كما أخذ هذا لعصفور من هذا البحر
)
ما العلامة التي أعطاها الله لسيدنا موسى ليعرف بها العبد الصالح؟
(آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا)(65الكهف)
ولننتبه لنقطه مهمة, وهي: أنه أخذ نصيبه أولاً من الرحمة المهداة قبل العلم:
(وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ)(107- الأنبياء)
النصيب الأعظم: الرحمة .. وبعد الرحمة العلم,
حتى الذي عنده العلم وليس عنده الرحمة, لا يجوز له أن يمارس الحكمة الالهية, وتطبيب القلوب,
وعلاج النفوس, وتقريبها من حضرة المليك القدوس عزَّ وجلَّ.
إذن لا بد من الرحمة أولاً .. كما قال سيدي أبو العباس المرسي رضي الله عنه:
(الرسل والأنبياء أشعة رحمة الله عزَّ وجلَّ وسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم هو مصدر هذه الرحمة)
لا بد أن تكون معه الرحمة والعلم اللدني الوهبي، لأن هناك الكثير من قُطَّاع الطريق في زماننا وفى كل زمان –
ليس قُطَّاع الطرق التي نمشي عليها أو نركب فيها، بل قُطَّاع طريق الله أكثر -
يقرؤوا ويحفظوا كلام العلماء الذين تكلموا بالعلم الوهبي
أمثال ابن الفارض، والشيخ القشيري, والشيخ الجيلاني ... الكلام الدسم في معناه،
ويتكلموا به للناس ليقولوا هذا هو العلم الوهبي الذي أعطاه لنا الله.
هذا ليس هو العلم الوهبي, العلم الوهبي هو الذي يصادف ما يشكو منه المريد, تتجلى في حقائق،
وكأنك خرقت الرقائق، واطلعت على الدقائق التي يريدها, فكاشفته بها,
وشرطه ألا يخالف شرع الله في قليل أو كثير, فليس هناك علم وهبي يخالف العلم الشرعي،
لأن العلم الوهبي ثمرة العمل بالعلم الشرعي, مثل الزبد بالنسبة للبن, متى نحصل على الزبد,عندما نخض اللبن,
وكذلك عندما يعمل الإنسان بما علم، وذلك مجمل ما قاله صلى الله عليه وسلم:
مَنْ عَمِلَ بِما عَلِمَ أَوْرَثَهُ الله عِلْمُ ما لَمْ يَعْلَمْ )
(أخرجه أبو نعيم من طريق أحمد بن حنبل عن يزيد بن هارون)
فيأتيه العلم الوهبي من الوهاب, والعلم الوهبي يجعله يعرف الداء والدواء, وما يعاني منه الأحباء .. فيعالجهم,
وليس المهم أني أتكلم وأخطب في الناس, وفى نهاية الدرس لم يستفد أحد منهم في شيء,
فليس هناك وقت ليضيع فيما لا يفيد لأننا مسافرون إلى الله,
ونأخذ بأيدينا معا لنذهب إلى الله, لندخل في قول الله عزَّ وجلَّ:
(يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا )(85- مريم)
والذين يدخلون إلى الرحمن ليس واحد فقط بل وفد ووفود مع بعضهم.
منقول من كتاب : شراب أهل الوصل لفضيلة الشيخ فوزى محمد أبوزيد
reaction:

تعليقات