الــــــورع
س: ما الورع؟ وما درجاته؟ وما مكانته في الدار الآخرة؟
الورع في عبارة مُبسطة هو اتقاء الشبهات، بمعني: أنا لا أدري حقيقة هذا الأمر؛ هل هو حلال أم حرام؟ فما دام هناك اختلاف فيه بين الحلِّ والحُرمة، فماذا أفعل؟ الورع أن أتركه كله طالما أنا غير متأكد بأنه حلالٌ صرفٌ، سيدنا أبو بكر رضي الله تبارك وتعالى عنه وأرضاه كان يقول في ذلك: " كنا نترك سبعين باباً من الحلال مخافة الوقوع في بابٍ واحدٍ من الحرام" يعني سبعين باباً، تسعٌ وستين واحدٍ منهم حلال، وواحدٌ منهم حرام ولكنه لا يعرف أين هو منهم، فيترك هذه السبعين باباً خوفاً من أن يقع في الباب الذي حرَّمه الله سبحانه وتعالى ، فهذا هو الورع.
وسأضرب مثالاً له، وهذا المثال منتشر عندنا في بلاد المسلمين أجمعين: رجل محتاج وعنده قطعة أرض، ولكنه لا يريد أن يبيعها، فماذا يقول؟ يقول: يافلان أعطني ستة آلاف جنيهاً - مثلاً - وأنا أرهن لك هذه الأرض، فيقول له: سلِّم لي العين، فيستغل العين وينتفع بها حتى يسدَّ الرجل الدَين، لو استلمت العين حتى تضمن مبلغك، وتدفع الإيجار أو تخصم الإيجار من المبلغ الذي عليه، فلا شيء في ذلك، لكنك لو انتفعت بالأرض، بدون أن تدفع إيجار أوتخصم ذلك من المبلغ فأنت أخذت نفعاً على قرضك، وكل قرض جرَّ نفعاً فهو ربا.
مثال آخر: أيضاً في المجتمع من يريد أن يحصل على قرض من البنك، ويقول: أنا محتاج لهذا القرض، وحاجتي شديدة، ألا يعلم أن القرض من البنك له فوائد، وكل قرض يجُر نفعاً فهو ربا،وهذا الربا بابٌ شديد حرَّمه الله وأعلن الحرب على من يمشي فيه: { فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ } {البقرة: 279} .
سيدنا الإمام مالك سألوه:
ما أشد عقوبة في كتاب الله؟ ففكَّر وقال للسائل: تعالى غداً حتى أقرأ القرآن!
فذهب له في اليوم التالي، فقال له: غداً، ثم جاءه في اليوم الثالث فقال له: لقد بحثت في القرآن كله من أوله إلي آخره فلم أجد أشد عقوبة من عقوبة الربا، لأن الله عزَّ وجلَّ يقول: { فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ } {البقرة: 279} .
فيجب أن أتقي الشبهات بالكلية، وأعمل كما كان يعمل أجدادنا وآباؤنا السابقين، فكان كل واحد منهم كما قالوا ـ يمُدُّ لحافه على قدر رجليه ـ وينتهي الأمر.
أما درجات الورع:
أولاً: ورعٌ عن الحرام، وهو أن يتورَّع عن المعاصي كلها والذنوب وهي الدرجة الدنيا.
ثانياً: ورع عن الحلال، وهو كما قلنا الورع عن الشبهات.
ثالثاً: ورع عن المباحات أي الأشياء التي تحبها النفس وتريدها النفس.
فالله سبحانه وتعالى أمرنا أن ننام، الصحابة رضوان الله تعالى عنهم كما قال فيهم الله عزَّ وجلَّ: { كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ } [ 17 الذاريات) والله سبحانه وتعالى أمرنا بالفطر وكانوا يديمون الصيام، وهكذا.
يقول صلى الله عليه وسلم في فضل الورع:
{ كُنْ وَرِعًا تَكُنْ أَعْبَدَ النَّاسِ }
( سنن ابن ماجة عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه وأرضاه ) .
من هم أعبد الناس؟
الذي يعمل بالورع إن شاء الله.
فضيلة العالم الرَّباني : فوزي محمد أبوزيد
تعليقات
إرسال تعليق