بسم الله الرحمن الرحيم:
قال صلى الله عليه وسلَّم:
(لا تزالون بخير ما عجلتم بالفطر وأخرتم السحور).
ومضان يمر كل ثلاثة وثلاثين سنة مرة في الحر والبرد والخريف والربيع، وأطول يوم في أيام رمضان في الثلاثة والثلاثين سنة هو في هذه السنة، ويبدأ اليوم من الفجر فيكون حوالي سبعة عشر ساعة.
وأظن أن من لم يحرص على هذا الهدي هنا فيكون أحرص ما يكون على هذا الهدي في هذا العام، لابد أن نُؤخر السحور ونُعجِّل بالفطر لأن اليوم طويل.
متى كان السحور؟ العادة حالياً أو ظاهرة انتشرت وهي ظاهرة غير صحيحة في المدن، وهي أن الشباب يسهرون حتى الواحدة فيأكلون وينامون وبالتالي لا يصلون الفجر ويظل طوال النهار موخَّم لكن حضرة النبي لم يكن كذلك، فيُحكى عنه كما ورد في صحيح البخاري والراوي سيدنا زيد بن ثابت رضي الله عنه يقول:
[تسحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلَّم ـ يعني تسحروا معه ـ ثم قمنا إلى صلاة الفجر، قيل كم كان بينهما؟ ما مقدار الوقت؟ ـ قال: قدر قراءة خمسين آية، فلم يكن وقتها ساعات فكانوا يحسبون بقراءة الآيات ـ خمسين آية فحسبوها فوجدوها من ربع ساعة إلى ثلث ساعة تقريباً، وهو الذي أخذوا منه الإمساك لكي يتنبَّه الناس بقرب آذان الفجر وهو الإمساك.
عندما يتسَّحر الإنسان قبل الفجر ويتوضأ ويُنشِّط الأعضاء ويتنفَّس هواء جديد ويمكث ساعة حتى تستريح المعدة لأن المعدة عندما يدخلها الطعام تستدعي كل الدم فالدم يكون مركَّزاً في المعدة ليساعد في الهضم، ولذلك حتى أن المخ في هذه اللحظة ليس في كامل قواه، فلو نام الإنسان على هذه الحالة تكون النومة غير طيبة، فكان من سننه ـ وهذا ليس أمراً ولكنها سنة ـ تأخير السحور وأظن أن ـ هذه تستوجب في عصرنا هذا بالنسبة للأولاد والبنات الذين ندربهم على الصيام ـ لأنهم يلعبون في النهار والنهار طويل فيحتاجون أن نؤخر لهم السحور.
وكما قال الجماعة الأطباء أن الطفل عندما يلعب فيبني خلاياه، وبالنسبة للكبار أمثالنا فقد أنهينا بناء الخلايا ولكن نحتاج فقط للتموين الذي نُسيِّر به السيارة، كالسيارة التي جُهِّزت فتحتاج فقط للبنزين والزيت وتمشي.
لكن الطفل لا يزال يبني أساسه، فقالوا إذا لم يتسَّحر الطفل جيداً ويجري فالجسم يجوع فماذا يفعل الجسم؟ يُكسِّر خلية من خلاياه ليتغذَّى عليها فيُصاب الطفل بمرض الضعف والهزال.
وماذا نفعل؟ نؤخر السحور ولابد أن يكون في السحور مادة بروتينية ولو حتى بيضة أو بيضتين لأنها الأساس الذي يتكون منه جسم الإنسان.
ونحن حالياً في الكِبر لا نحتاج إلى تركيب خلايا ولا إنشاء خلايا، لكن هو لا يزال يبني خلاياه فيحتاج في السحور إلى قطعة لحم، فإن لم نجد لحماً فتكون بيضة مع الفول لأن الفول طبعاً يمكث فترة طويلة في المعدة وُعتبر بروتين نباتي، فهو مادة يحتاجها جسم الإنسان.
فالطفل إذا كان سيصوم فنُسحره على مادة بروتينية ونحاول بالنهار أن نبعده عن الحركة الكثيرة، فلا نمنعه من الحركة ولكن تكون بمقدار وخاصة آخر النهار يهدأ شوية عن الحركة لأن الطاقة تكون أوشكت على الإنتهاء فيسكن شوية ونجهِّز له كوب عصير مركزَّاً يتناولها على الفطار مباشرةً.
لو كان عندي أطفال صغار فلا أتشبَّث برأيي وأقول لهم لابد أن نُصلي المغرب قبل الفطار ـ لا قال صلى الله عليه وسلَّم:
(سيروا على قدر ضعفائكم).
فلو كنت أريد أن أُصلي المغرب أقول لهم: يا أولاد كلوا أنتم حتى أُصلي ولا تنتظروني وأنا أُصلي المغرب، لكن أقول لهم إنتظروني حتى أُصلي المغرب؟ لأن هناك بعض الناس يتشدد في مثل هذه الأمور، والدين ليس كذلك، فالدين يحتاج اليُسر والتيسير.
حتى لو أُصلي أولاً فالدين يقول لي: لابد أن تفطر أولاً فعلى ماذا أُفطر؟ أُفطر على البلح، والبلح في مثل هذه الظروف التي نحن فيها في رمضان يُثمر في الصيف، فالإفطار يكون على البلح المبلل لأن الكبد طوال النهار عطشان ويحتاج لما يرويه فيحتاج لسوائل، فإما أنقع البلح في لبن أو أنقعه في ماء وهذا النقع يكون من الصباح، أو لو تأخرت شوية أغلي الماء وفيها البلح وبعد أن يبرد أضعهم في الثلاجة إلى المغرب لأن الكبد يحتاج لماء يرويه.
فإذا أكلت البلح أجعله وتراً أو ثلاثة أو خمسة أوسبعة ولا أزيد لأنه لو زاد فلا يستطيع الأكل وتسد نفسه عن الطعام.
وأُصلي أيضاً لو أردتُ الصلاة لأن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلَّم كان يُفطر على تمر باللبن أو تمر بالماء ثم يؤدي صلاة المغرب.
ولماذا التمر بالذات؟
الجماعة الأطباء بحثوا في هذا الموضوع ـ [الدكتور / أنور المفتي] ـ وكان من أشهر أطباء الباطنة في مصر في عصر الملكية عمل بحثاً فيها فقال:
المواد البروتينية تستغرق ساعتين في الهضم حتى يستفيد الجسم منها، والمواد الدهنية تستغرق من أربع إلى ست ساعات في الهضم كالزُبد والقشدة والسمن وغيرها، والمواد السكرية قال في خلال خمس دقائق تكون قد أوصلت المنفعة للجسم، والجسم في آخر النهار يكون ضعيف ويحتاج إلى شيئٍ يُجدد حيويته، فأحسن شيئ له البلح.
والبلح فيه ميزة أخرى أن فيه ألياف فعند دخوله للمعدة يكون كالأسفنجة فلا يُتعب المعدة فيُعطي المعدة ما تحتاجه والباقي يظل معه، فلا يضر الإنسان.
فيأكل البلح بالماء ويصلي المغرب فتكون المعدة في هذه الفترة قد تجهزَّت ونبهَّت على معاملها كل معمل يفرز عصارته، تعطي إشارة للمرارة تفرز العصارة المرارية لهضم الدهون، وتعطي إشارة للنكرياس ليُخرج الأنسولين ليهضم السكريات، وتُعطي إشارة للعاب ليهضم المواد البروتينية، فتُعطي إشارات لهذه العصارات.
فعندما يأكل الإنسان بعد الصلاة فلن يأكل كثيراً لأن المعدة تكون قد استعدت لاستقبال الطعام وتجهزَّت بعصارتها الهاضمة فيأكل كمَّاً محدوداً، وفي هذا الجو الحار لا يُستحسن لا صحياً ولا شرعياً ولا طبياً أن الإنسان يأكل حلوى بعد الإفطار، فالناس تأتي في رمضان وتأكل الحلوى فاجعلها بعد صلاة التراويح يكون الجسم مستريحاً.
لأنه لو ملأ المعدة فلن يستطيع أداء صلاة المغرب لهجوم النوم عليه لأن الدم كله قد تركَّز في المعدة والمخ غير منتبه، فتجده في الصلاة يغالب في النوم والنوم يغالب فيه.
لكن لو أكل وجبة خفيفة ويُستحسن طبياً كما نصح الأطباء وكما كان عليه سيد الرسل والأنبياء صلى الله عليه وسلَّم أن الإنسان يقسِّم وجبة الفطور على مرتين:
مرة بعد المغرب ومرة بعد التراويح، غير البلح لأن البلح بعد المغرب في الفطور يأكل بعده وجبة خفيفة فإذا صلى يصلي بروحانية وبحضور ولا يشعر بفتور ولا كسل.
بعد أن يصلي التراويح فيكون قد جاع شوية فيأكل إن كان قطعة كنافة أو قطعة قطايف، لكن أستحسن هذا العام الفواكه فلا يوجد حلاوة يستطيع أحدٌ أن يصنعها كقطعة البطيخ، فهل توجد حلاة مثلها؟
تخرج أولاً طرية من الثلاجة وأنت تحتاج إلى شيئٍ ليِّن ـ وهو موسم البطيخ ـ وربنا جعله في الصيف لذلك، فما الذي يساويها في حلاوتها من الأطعمة الأُخرى؟ لا شيئ، فالحلاوات الأُخرى تتكور ـ تكلكع ـ في المعدة وصعبة في الهضم وتُحدث مشاكل في الإنسان، ولذلك أطباء الباطنة يقولون:
أكثر عملنا في شهر رمضان فسألوهم لماذا؟ قالوا: إن الناس جعلوه شهر الطعام، فعند المغرب يفلت الزمام من الصائم ولا يستطيع السيطرة على نفسه فيجري إلى المستشفى أو يبحث عن طبيب لأنه فقد السيطرة على نفسه.
ولكن المؤمن حكيم في كل تصرفاته ويقتدي برسول الله صلى الله عليه وسلَّم في كل هيئاته.
فالمؤمن بعد صلاة التراويح إن كان يأكل أي شيئٍ خفيف ـ وجبة إسمها وجبة خفيفة ـ كترويحة له حتى يتسطيع السحور، لأنه لو أكل كثيراً وثقل فعند السحور لا يستطيع أن يتسحر لشبعه والسحور هو الوجبة الأساسية التي يعيش عليها طوال النهار.
وقد رأيت في السعودية ـ وعندنا أيضاً في بعض بلاد الصعيد ـ أن الوجبة الأساسية هي وجبة السحور يعني اللحم والكبسة كلها في السحور يقولون:
لأن الإنسان يعيش عليها طوال النهار، وكذلك الصعايدة إلى وقتٍ قريب كان إفطارهم الفول وبعض التمر وشيئ حلو كالكنافة والسلطة وخلاص.
والطبيخ واللحم يكون في السحور لأنها الوجبة التي يمكث عليها الصائم طوال النهار فيتحمَّل.
فعلى الصائم أن يأكل وجبة خفيفة بعد التراويح ويُعطي لنفسه فرصة ليأخذ وجبة السحور.
وهذا كان هدي سيدنا رسول الله في الصيام، والليل قصير والنهار طويل، فماذا نفعل؟ قال:
(استعينوا بالقيلولة على قيام الليل).
فيستعين الصائمم بالقيلولة، ومتى تكون القيلولة؟ بعد الظهر أي بعد صلاة الظهر ويستغرق ساعة في هذا النوم، أولاً يكون النوم لذيذ وممكن أن يكون في رحلة في عالم الملكوت أو رحلة في عالم الروحانيات فيرى منامات لطيفة ولذيذة، لأن الجسم خلا من الطعام.
ويكون أيضاً الإنسان قد همد شوية فيحدث تنشيط وإنعاش لجسم الإنسان، فالإنسان يتنشط ويستطيع أن يأخذ فترة العصرية مع الله ومع كتاب الله أو في ذكر الله أو في الإستغفار أو في الصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلَّم.
نرى المسلمين ماشاء الله عليهم مُجدِّين في تلاة القرآن في السيارات وفي العمل وفي كل مكان الكل يمسك بالمصاحف.
فما الطريقة الصحيحة التي يريدها ربنا منا في رمضان وفي غير رمضان؟
ربنا قال لنا في القرآن:
"وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ" (17القمر).
وليس للتلاوة، ولكن للتذكر والتفكر
"فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ" (17القمر).
فلم يقل: فهل من تالى، فربنا يريد منا أن نقرأ القرآن بالتدبر والتمعن لنفهم معاني القرآن، فمن يقرأ ويعيد يقول لك: قد ختمت القرآن ست مرات أو سبع مرات، ربنا يقول لهم:
"أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ" (24محمد).
فالقرآن نزل لتبدره وتفهمه:
"أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا" (24محمد).
ولذلك أنا أستحسن في تلاة القرآن أن يقرأ الإنسان في رمضان من مصحف مفسر، فالمصحف في المنتصف والتفسير خفيف في الهوامش، لماذا؟ لأن الكلمة التي لا أعرف معناها أنظر إليها، أو أريد أن أعرف سبب نزول هذه الآية فأنظر إليها فأكون قد عرفت معرفة أولية بكتاب الله، فمعاني الكلمات وأسباب النزول والمعنى العام للآية أكون قد عرفته في كتاب الله عز وجل.
أنهيت هذه الجزئية في رمضان ففي رمضان التالي أُوسِّع شوية فآخذ تفسير يكون مركَّز وتفسير واضح وسهل ويسير لكتاب الله وليس له شأنٌ بالمذهبيات ولا بالآراء الشاذة ولا لمثل هذه الأمور كما وصف ربنا في القرآن.
فلو مكثتُ في رمضان كله في تفسير جزء واحد من كتاب الله أحسن من أن أختم القرآن عشر مرات لأنني أتدبَّر، وسيدنا عليٌّ كان يقول:
[لا خير في صلاةٍ لا فقه فيها ولا خير في قراءةٍ لا تدبُّر فيها].
القراءة الخالية من التدبر فليس فيها فائدة، وصحيح أن فيها حسنات، ولكن القرآن كتاب حياة وأنا أريد أن أعرف ما المطلوب لأنفذه.
فالقراءة السريعة التي يقرأها الناس فلا يعرف ماذا يريد منه ربنا؟ ولا ما هو المطلوب منه؟ إنه يقرأ وفقط، لا المفروض أن أنني أقرأ لأعرف ما المطلوب مني لأنفذه.
فالإنسان يحاول أن يتدبر القرآن في شهر القرآن:
"كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ" (29ص).
وليس ليقرأوا ولكن ليتدبروا آياته، والمهم هنا التدبر.
أيضاً مع الصيام يكون التبدبر أفضل لأن الذهن يكون أصفى والقلب أرقى، فالتدبر يكون أوضح، فالإنسان يتدبر معاني كتاب الله في رمضان وهي السنة التي كان عليها سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلَّم.
وورد عن سيدنا رسول الله أنه مكث ليلة كاملة في آية واحدة يعيد فيها، في آية واحدة يعيدها طوال الله، فلماذا يعيدها؟ لتدبر في معانيها، وكلما قرأها يأتيه معاني جديدة من عند الله، فإذا قرأها مرةً أُخرى يأتيه معاني جديدة أُخرى من عند الله، فكانت هذه قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلَّم في شهر رمضان.
ولا ننسى قوله صلى الله عليه وسلَّم:
(خير الصدقة في رمضان).
ولذلك هو ألزمنا كلنا لأنه يحبنا بصدقة نخرجها كلنا، ولكن لمن يريد المزيد فله المزيد عند الحميد المجيد عز وجل، فألزمنا كلنا بصدقة الفطر لأنه شهر الإنفاق والجود الكرم.
فالإنسان المؤمن يحرص أيضاً في رمضان على أن تكون يده مبسوطة بالعطاء للفقراء والمساكين فيفتح الله عز وجل له باب عطاءاته الإلهية ومواهبه الربانية، لأنه عز وجل قال في حديثه القدسي:
(عبدي أنفق أُنفق عليك).
كلما تُعطي يُعطيك أكثر وهذا ميزانك، فإذا أمسكت فلماذا يُعطيك؟ ولكن تُنفق يُعطيك أكثر، والإنفاق شيئٌ بسيطٌ وسهل، وليس شرط الإنفاق بالمال فقط، ولكن أول الإنفاق الكلمة الطيبة:
(الكلمة الطيبة صدقة).
فهذه أول الصدقات، فنحن مطالبون بها كلنا، فنريد أن نعمل حصر وحصار للكلمات التي ينطق بها الناس ولا تليق بمؤمن ولا ينبغي أن يقولها مسلم ونوقفها ولو حتى في شهر رمضان، وبعد رمضان نحاول أن نمد هذا الوقف ونوقفها نهائياً.
فالمسلم في شهر رمضان كما قال حديث الرسول ـ سألوه عن روشتة الصيام فقال:
(إذا كان يوم صيام أحدكم فلا يرفث ـ فلا يخرج منه الرفث، والرفث هو الكلام الخارج ـ ولا يصخب ـ فلا يتكلم بصوتٍ عالٍ ويتعود على الهدوء، فالجماعة الأوروبيين تعلموا الهدوء منا، ونحن لا أعلم من أين تعلمنا الصوت العالى؟
ليس هذا من صفات المسلمين، فهذا من أوصاف سكان الغابة وهي الأصوات العالية، لكن هم تعلموا منا الأصوات الهادئة، هل لا تسمع في محطة ترام أو في محطة قطار ثرثرة كالتي نسمعها عندنا هنا؟ لا يوجد.
ففي السنة قبل الماضية واحدة في سويسرا استدعت الشرطة لماذا؟ لأن قانونهم يمنع استخدام سيفون دورة المياه بعد الساعة 11 ليلاً حتى ينام الناس، فأحد جيرانها استخدم السيفون فاستدعت له الشرطة.
وهذا من الإسلام وقد أخذوه من الإسلام، لكن هنا حالياً وفي رمضان من الذي يستطيع النوم بالليل، فإذا إحتاج رجل إلى النوم من الساعة 12 إلا الساعة الواحدة مثلاً ليقوم للسحور وصلاة الفجر ويكمل شوية بعد الفجر، فمن الذي يستطيع النوم في رمضان في هذا الوقت من الضوضاء التي حوله؟
لا ـ فمنهم الذين يصخبون ويتكلمون بصوتٍ عالٍ، والآخرين يفتحون التليفزيون وصوته على أعلى درجاته، ومن يلعبون الكورة في الشارع، ومن يجلسون في الطريق ويضحكون بصوتٍ عالي.
وهل هذه أخلاق المسلمين؟ لا فما للمسلمين وما لهذه الأخلاق؟
فأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلَّم لما نزل قوله تعالى:
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ" (2الحجرات).
يقولون أنهم لم يرفعوا أصواتهم بعد ذلك إلا وشوشة، يعني كل واحد يتكلم بصوتٍ منخفض، واللفظة باللغة العربية:
[كانوا لا يكلمونه إلا كأخي السرار].
كأن واحد يقول لآخر سرٌّ في أُذنه، وما نقول عنه: يوشوشه، فكان هذا كلامهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلَّم، لماذا؟ حتى يعلمهم هذا الأدب العالي صلوات ربي وتسليماته عليه.
وفي المسجد هي نفس الحكاية تجد من يرفع صوته والآخر كذلك، ما هذا الذي تصنعه؟
(إنكم لا تدعون أصماً وانما تدعون سميعا بصيرا).
هدئوا شوية على أنفسكم، وقال لهم:
(لا يشوِّش أحدكم على بعض).
كل واحد من إخوانك المؤمنين يقرأ في سره، فإذا كلمته يقول لك: أنا أقرأ القرآن يا أخي، وهل تمنعني من قراءة القرآن؟
إقرأ كما أمر القرآن وكما كان عليه نبي القرآن ـ لا فهي أحوال تحتاج منا كلنا أن نحاصرها ونعالجها لكي نعيد المجتمع الإسلامي للحال الأول والذي يحتاج أن يظهر عليه في هذا الزمان.
الناس الأجانب كلهم يعيبون على الإسلام ويقولون: وهل هذا هو الإسلام، فيقرأون عن الإسلام قراءة جيدة أكثر منا.
فعندما يبحثون عمن يطبق الإسلام فلا يجدون، فهذا شيئٌ وهذا شيئٌ آخر، لأننا في السلوكيات كلها غير السلوكيات الإسلامية، فنحتاج في الشهر الكريم أن نأخذ أجازة كاملة وإيقاف لكل السلوكيات الهمجية وغير الإسلامية إن كان في البيوت أو في المساجد أو في الشوارع، فنمشي على المظهر الإسلامي الطيب.
يقولون: أن من يدخل مسجد رسول الله أو أي مسجد والناس بداخله كثيرون كأنه لا يرى فيه أحد، فمن يذكر:
"وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ" (205الأعراف).
ومن يقرأ القرآن ويتدبر، ومن يتدبر يحتاج أن يقرأ في السر ليتمعن، ومن يصلي فيناجي مولاه، ومن يناجي مولاه فلا يريد أن يسمع مَنْ حوله ماذا يقول، لأنها مناجاة.
فكان من يدخل المسجد يشعر أنه ليس فيه أحد مع أنه مليئٌ عن آخره، لماذا؟ للآداب التي علمها لهم سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلَّم.
فالمسلمون يحتاجون لمثل هذه الأشياء، فأنت تريد تشغيل التليفزيون فيكون في حجرة وتغلقها على نفسك، أو تريد تشغيل الراديوا فتضع سماعة في أُذنك حتى لا يسمع غيرك سواء كنت في الطريق أو هنا أو هنا.
لكننا هنا التكاتك والموتسيكلات كما ترون في الشوارع ماذا تفعل؟
وهل الإسلام كذلك لأنهم يظنون أن هذا هو الصحيح، فنحن نريد أن نبين الخطأ فيحتاج هذا الأمر منا في رمضان إلى حملة للرجوع إلى السلوكيات الإسلامية.
فنبدأ بأنفسنا ونحاول باللطف وباللين أن نأخذ بأيدي من حولنا، إذا قدرنا أن نعمل ذلك فإن شاء الله بصدقنا وبرغبتنا الأكيدة ستنتشر بإذن الله تعالى.
إياك أن تقول: ماذا نفعل؟ الإسلام بدأ بكم واحد؟ بدأ بواحد فقط هل عمَّ العالم كله أم لا؟ ولكننا عدد كبير جداً، وصحيح أننا لن نستطيع أن نبلغ هذا القدر العظيم لسيدنا رسول الله، لكن ما دمنا سنسير على هداه فسيقوينا ويعيننا الله جل في علاه.
أسئلة رمضانية:
السؤال الأول: ما هي أهم المنح والمميزات في شهر رمضان المبارك؟
المنحة الأولى:
أول هذه المميزات أن فيه ليلة القدر، وليلة القدر هذه منحة ربنا أعطاها لنا كلنا، فيكفي لكل واحدٍ منا إذا كان في العشر الأواخر من رمضان إذا حافظ على صلاة الفجر والعشاء في جماعة في بيت الله، والحديث قال:
(من صلى العشاء في جماعة والصُبح في جماعة فكأنما قام الليل كله).
وأين هي؟ قال:
(إلتمسوها في العشر الأواخر من رمضان).
فأنا حافظت على العشرة الأواخر فأكون قد قمت ليلة القدر أكيد، ويكفي أني أنال فيها شيك ـ ممن؟ من ملك الملوك بأنني قد عبدتُ الله تعالى ثلاثة وثمانين سنة وأربعة أشهر ليلها قيام ونهارها صيام، وهذا يطيل عمري فعمري هنا يزيد، فيزيد زيادة طويلة كل سنة فأنال هذه المنحة الإلهية.
المنحة الثانية:
الفريضة التي نؤديها في الأيام العادية بعشرة سواء فريضة الظهر أو العصر أو المغرب أو العشاء أو الصبح كل واحدة تُكتب بعشرة:
(خمسٌ في العمل وخمسون في الأجر والثواب).
وفي رمضان؟ قال: لا:
(الفريضة فيه بسبعين فريضةً فيما سواه).
فكم يكون أجر الفريضة؟ الفريضة يكون أجرها بسبع مائة فريضة فيما سواه ـ 700 فريضة ـ وليس معني ذلك ـ وقد يظن البعض الجُهال ـ أنه يظل طوال السنة لا يصلي ثم يصلي في شهر رمضان لينال هذه الميزة وخلاص، لا ـ وهذا وارد ـ لا هذا في الأجر والثواب، لكن الصلاة التي تركتها فهي دينٌ تُحاسب عليه، وكل صلاة لها قضية بمفردها يُحاسب عليها عند الله.
فإن ترك صلاة الظهر يوم كذا فيكون لها حكم وقضية، أو أنه ترك صلاة العصر يوم كذا لها حكم، فكل صلاة تركها لها حكمها ولها قضيتها عند الله عز وجل.
فبالنسبة للأجر فهذا بدل ضيافة رمضان وهو عالٍ جداً، لأنه بدل الضيافة الإلهية ومنحة إلهية، فتكون الصلاة بكم صلاة؟ بسبع مائة.
النافلة قال: بسبعين فريضة، ثم يرجع مرةً ثانية سيدنا رسول الله يقول:
المنحة الثالثة:
أنكم كلكم ضيوفٌ على حضرة الله، فالشاي الذي تشربوه والطعام الذي تأكلوه والمصاريف التي تصرفوها بشرط أن لا يكون فيها إسراف ولا تبذير قال فيها:
(نفقة المؤمن في رمضان على أهله كا النفقة في سبيل الله، الدرهم بسبع مائة ألف درهماً). [بـ 700 درهم].
كل ما تنفقه على عيالك ماذا تنال عليه؟ لماذا؟ لأنك في ضيافة الكريم عز وجل.
المنحة الرابعة:
كل يوم لك ساعة الإفطار دعوة لا تُردُّ ـ دعوة مستجابة:
(للصائم عند فطره دعوة لا تُردُّ).
ولذلك دائماً أقول للأحباب قبل أن تضع الماء في فيك أدعو دعوتك، وتذكَّر دائماً هذه المنحة، فلا تتعجَّل وتشرب على الفور، فأنت هنا تُسقط حقك حالياً، فلك دعوةٌ لا تُردُّ فاستغلها، وماذا تأخذ منك؟ لحظة ـ فادعو بها ثم بعد ذلك إفطر، فلك دعوة عند الفطر لا تُردُّ.
المنحة الخامسة:
فإذا كنت في رمضان وربنا أعانك وأمسكت وحفظت جوارحك، فلم تُخطئ هنا ولا هنا ولم ولم تُخطئ ـ ولم تقع في أحد ـ في أحد وحتى لم تذكر الله وجالس ساكت ولكن المهم أن العينين والجوارح لم تقع في المعاصي، فحضرة النبي يقول:
(نوم الصائم عبادة ـ الشوية اللي حا تنامهم بالنهار أو بالليل يكونوا عبادة ـ يعني لا يستغرق النهار كله في النوم؟ ولا نتكلم على من يستغرق النهار كله في النوم ليهون على نفسه الصيام فهذا ليس لنا شأنٌ به ـ فقال: نوم الصائم عبادة وسكوته تسبيح ـ طالما هو ساكت يُكتب له تسبيح ـ ودعاؤه مستجاب وعمله مضاعف).
المنحة السادسة:
فتأتي منحة أُخرى يقول الله كل ليلة للملائكة:
أنزلوا واكتبوا في كل ليلة لمائة ألف واحد هؤلاء كلهم عتقاء الله من النار، وليلة الجمعة أكتبوا مثل عدد ما أخذتموه طوال الأسبوع واكتبوهم عتقاء الله من النار، وآخر ليلة في رمضان خذوا مثل ما أخذتموه في رمضان كله واكتبوهم عتقاء الله من النار، قال صلى الله عليه وسلَّم:
(إن لله في كل ليلة من شهر رمضان مائة ألفٍ عتيقٍ من النار، فإذا كانت ليلة الجمعة أُعتق في هذه الليلة مثل ما أُعتق في سائر الأسبوع، فإذا كانت آخر ليلة في شهر رمضان أُعتق في هذه الليلة مثل ما أُعتق في سائر الشهر).
المنحة السابعة:
نصلي صلاة التراويح، يوجد ملائكة فوق لا ينزلون الأرض نهائياً إلا في شهر رمضان وهؤلاء متفرغين لعبادة الله وليس في الشئون، فهناك ملائكة للأرزاق وللموت ولغيره من الشئون ـ ولكن هؤلاء الملائكة لطاعة الله على الدوام.
في شهر يستأذنوا ربهم أن يشهدوا مع المسلمين صلاة القيام، وبعد ذلك؟ قال صلى الله عليه وسلَّم:
(فمن مسَّهم أو مسُّوه سعد سعادةً لا يشقى بعدها أبدا).
فإذا حافظنا على صلاة التراويح فنكون منهم إن شاء الله تعالى.
والمشكلة أن المسلمين غلابة ومساكين ففي العشر الأوائل يواظبوا، والعشر الذين حثَّ عليهم حضرة النبي يتركوهم إلا المسلمين المستديمين، ولكن الجماعة الموسميين لا يكملوا حتى الشهر، فأنت تعاقدت لمدة شهر موسمي، لا ـ هو يصلي العشرة الأُول ثم يقف، أو في العشرة التالية، ويترك العشر الأواخر والذين ركَّز عليهم حضرة النبي صلى الله عليه وسلَّم.
فهذه العشر التي فيها الفضل والخير الكبير.
(فمن مسهم أو مسوه سعد سعادة لا يشقى بعدها أبداً).
فرمضان فيه من الفضائل والمميزات والمزايا لو مكثنا كما نحن هكذا إلى مطلع الفجر فلن نستطيع عدَّها.
لكن نسأل الله عز وجل أن يعيننا على صيامه وقيامه وعلى تدبر معاني القرآن في أيامه، وعلى العمل الصالح فيه، مقتدين بهدي نبيه وحبيبه ومصطفاه.
وأن يحفظنا من المعاصي والفتن ما ظهر منها وما بطن وأن يرزقنا الأرزاق الحلال وأن يجعلنا من أهل الإستجابة ويرزقنا عظيم الأجر والجزاء والنوال، وبارك الله عز وجل فيكم أجمعين.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلمّ
لفضيلة الشيخ الأستاذ / فوزى محمد أبو زيد
التاريـــــخ: الجمعة 27/5/2016 موافق 20 شعبان 1437 هـ
تعليقات
إرسال تعليق