==============
كيف تُحفظ على المنهج القويم والطريق المستقيم؟
أن تتذكر دائماً أنك قدوة لأولادك ولزوجتك ولبناتك، ثم لجيرانك ولأحبابك من حولك ... لماذا لا تحضر مجالس الصالحين يا فلان؟ يقول: إن فلان وفلان لا يحضرون، فما شأنك أنت بهم؟!
أنت مسئول عن نفسك، وسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنا:
{ كُلُّ رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى ثَغْرَةٍ مِنْ ثُغَرِ الْإِسْلَامِ،
اللَّهَ اللَّهَ لَا يُؤْتَى الْإِسْلَامُ مِنْ قِبَلِكَ } (١) .
( فإن تهاون إخوانك فاشدد أنت لئلا يُؤتي الإسلام من قِبَلِك ) .
أنا أحضر لأُنفذ أمر الله، وأمر رسول الله، فإذا حضر فلان أو لم يحضر لا شأن لي به، ولا أقتدي به، ولكن نقتدي بأهل الهُدى، وأهل المنهج القويم والصراط المستقيم.
أنا احتجت لمبلغ من المال، فهذا يوسوس لي، وهذا يُزين لي ويقول: اذهب إلى البنك واقترض منه، فأقول: إن القرض من البنك حرام، فيقول: وهل أنت أفضل من الشيخ فلان، فهو يخطب الجمعة واقترض، والشيخ فلان مدرس في الأزهر واقترض، فما شأني بفلان أو غيره، رب العزة قال في هذا الأمر في كتاب الله:( فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ ). (279البقرة) وهل أقدر على حرب الله ورسوله؟!
ولكن أمشي كالصالحين والمتقين والمفلحين، حتى يأتي يوم القيامة فينادون عليَّ ويقولون: امشي مع هؤلاء:( يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَٰنِ وَفْدًا ) (85 : مريم) فهذا وفدَك، وعند الجنة ينادون: امشي مع هؤلاء الذين اتقوا ربهم : ( وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا ) (73: الزمر) يعني جماعة مع بعضهم.
وهذا هو الباب لوصلة الأحباب
فإذا نسيت في أي لحظة أنك قدوة، فإنك ستخضع للنفس والأهواء وتقع في السهو والنسيان والخطأ وما أُستكره عليه، لأن هؤلاء سيلعبون بك، وإذا لامتك نفسك سيُئَوِّلون لك، وتظل ماشياً على هذا المنوال وأنت تظن أنك في عين القرب!، وأنت في الحقيقة في عين أعيان البُعد والعياذ بالله تبارك وتعالى.
سؤال: ما شأن من ينظر لعيوب غيره ولا يرى عيوب نفسه؟
قيل: (من نظر في عيب نفسه لم ير عيوب غيره) وحضرة الرسول قال ذلك:
{ طُوبَى لِمَنْ شَغَلَهُ عَيْبُهُ عَنْ عُيُوبِ النَّاسِ } (٢) .
وإذا أهدى إنسان لي هدية، كما قال سيدنا عمر:
(( رحم الله امرُءاً أهدى إليَّ عيوب نفسي ))
جعلها هدية !!
وأقول: كيف يُظهر لي أن فيَّ عيوب؟!!
لكن رحم الله امرءاً أهدى إليَّ عيوب نفسي،... !!! فالمؤمن دائماً مشغولٌ بعيوب نفسه.
ولذلك حتى الصالحون كانوا كذلك، فالإمام البوصيري رضى الله عنه وأرضاه، الذي كان يرى سيدنا رسول الله في المنام، والذي مسح عليه عندما أُصيب بالشلل فشُفي في الحال، وقال قصيدة البُردة التي لها الشهرة العظيمة .
وهذه الشهُرة تكون علامة رضا الله.
الإمام الشعراني رضى الله عنه وأرضاه عندما سُئل:
المذاهب الفقهية أكثر من ثلاثين، فلماذا اشتهر هؤلاء الأربعة؟
فقال: لصدق أصحابها وتقواهم ورضا الله تبارك وتعالى عنهم، أيدهم وشهرهم.
لأنه صدق مع الله، مع أنها صلوات عادية، ولكنها رُزقت حب الناس، والحب رزقٌ من الله، فسيدنا رسول الله عندما تكلم عن السيدة خديجة رضي الله عنها قال:
{ إِنِّي قَدْ رُزِقْتُ حُبَّهَا } (٣) .
أمرتك الخير لكن ما ائتمرت به
وما استقمت فما قولي لك استقمِ.
هذا هو كلام الصالحين ..
وهو دليل الصلاح والتُقى:
يجاهد نفسه!
لكن لا بد للإنسان أن يجاهد نفسه، كيف؟ يُسلِّط عينه على عيوب نفسه، وعلى حسنات إخوانه، وليس لي شأنٌ بعيوبهم، وأُلقي وراء ظهري حسناتي حتى لا أراها فاغترُّ وأنضرُّ وكذلك عيوب إخواني، فا أنشغل بالبحث عن هذه العيوب، فهذه العيوب إذا كانت ذنوب فأمرها موكل إلى حضرة علام الغيوب.
لي نوايا صرفتها في الـشرور
غير أني أوَّلُتها بالنور .
سافر شيخٌ من المشايخ إلى ليبيا في شهر رمضان واستقبله آلاف مؤلفة، فلما رأى كل هؤلاء الناس مجتمعين حوله فرحت نفسه، فأحب أن يؤدب نفسه، فقال لأحدهم أريد أن أشرب، والمسافر له أن يُفطر، لكن الآخرين لا يعرفون هذا الكلام، ويريدون شيخاً كما يريدون.
فشرب الشيخ الماء، فانفضَّ الجمع من حوله، لأنهم لا يرون إلا الظاهر، فهل أحدٌ منهم قال: إن الشيخ على سفر؟ لا، لأنهم غير موفقين في هذه الناحية.
فشُغل الصالح بنفسه، يلوم نفسه لكي يخرج من لبسه وينال أُنسه، ويكون من كُمَّل المقربين، ولذلك يقولون: الأخ الذي تجده دائماً يذكر عيوب الآخرين، اعلم علم اليقين أنه ساقط من نظر رب العالمين، ولذلك تجده يخوض في هذا، ويخوض في هذا، فماذا بقي لك؟! لو كان معه حسنات ليل نهار فالشيكات التي ستتحول للآخرين لن تكفيهم، وليس عندنا وقت لهذا الكلام.
ومثلها تماماً أن الإمام أبو العزائم رضى الله عنه وأرضاه قال:
(( من أكثر من الحديث عن نفسه، فاعلم أن ذلك من نقصٍ في عبوديته، وأنه لن تكمل مرتبته عند الله عز وجل إلا إذا نسي نفسه
وأخذ يتحدث عن ربه وعن حبيبه صلى الله عليه وسلم )).
أن كل واحد يريد أن يدعو الناس لنفسه هو، وماذا يفعلون بك؟! لكن أنت وأنا لو اتفقنا على هذا المنهاج ودعونا الخلق إلى رسول الله، فهل تحدث فُرقة أو مشاكل أو فتن أو ما شابه ذلك؟ أبداً.
ويغضب من الواحد منهم عندما يتركه ويذهب لآخر أو ثالث، مع أن المهم أنه ذاهب لرسول الله ولشرع الله، فطالما أنه ذاهب لرسول الله فيا هناه.
ونحن كلنا هل سندخل الجنة من باب واحد؟
لا، سيدنا يعقوب قال لأولاده:( وَقَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِن بَابٍ وَاحِدٍ) ((67يوسف)
لأن نفوسنا متباينة ..
فكل واحد يدخل من باب!!!
فأنت ترى أن بابك هو باب الأبواب ... فهذا لك، ولا تُجبر عليه غيرك، ولا تلوم على عدم السير فيه غيرك ..
وهذا حال الصالحين.
المهم أن الإنسان ينشغل بعيوب نفسه.
وأول شيء كما قلت في البداية:
أن يرى نفسه أنه قدوة ..
وذلك قبل أن يجعل نفسه شيخاً!!!، حتى إذا اقتدى به أحدٌ يقتدي به كما ينبغي!، وبهذا يمشي الإنسان على المنهج القويم إلى الرءوف الرحيم عز وجل
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم
================================== .
(1) السُنَّة للمروزي .
(2) مسند البزار ومسند الشهاب عن أنس رضي الله تعالى عنه .
(3) صحيح مسلم وابن حبان عن عائشة رضي الله تعالى عنها.
=====================================
لفضيلة الشيخ / فوزى محمد أبوزيد

تعليقات
إرسال تعليق